تعد صناعة تلسينما في مصر مورد حقيقي لاقتصاد حديث

مصر تراهن على صناعة السينما كمحرك اقتصادي جديدباب آخر لتعظيم المواردخطت مصر خطوة فريدة على طريق تحويل صناعة السينما من دورها التقليدي كأداة فنية وثقافية إلى محرك اقتصادي فاعل، وفق توجه رسمي لتعظيم العائد من الصناعات الإبداعية، وجذب الاستثمار في قطاع يمكن أن يدر العملة الصعبة، إذا أحسن استغلاله، وتم توظيفه بشكل صحيح.القاهرة – أطلقت الحكومة المصرية خطة جديدة تهدف إلى إحياء صناعة السينما في البلاد، في خطوة تعكس إيمان الدولة العميق بدور الفن السابع، كأحد أبرز أدوات القوة الناعمة، وكقطاع اقتصادي يحمل إمكانات نمو حقيقية.وأكد وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو أن الخطة لا تكتفي بمحاولة إنقاذ ما تبقى من مجد السينما، وترنو إلى تأسيس نموذج إنتاجي حديث يجعل من السينما محركا اقتصاديا قادرا على خلق وظائف وتوليد إيرادات ودعم الترويج الثقافي لمصر.وترتكز الخطة على إعادة استثمار الأصول السينمائية المملوكة للدولة، التي عانت لعقود من الإهمال والتراجع، فمدينة السينما واستوديو الأهرام واستوديو نحاس ودور عرض شهيرة، سوف تخضع لعملية تطوير، تشمل البنية التحتية والتقنيات والمحتوى.وتكمن أهمية الخطوة في استثمار الأصول المعطلة وتعزيز دور الثقافة كرافد اقتصادي، ضمن رؤية تهدف إلى إعادة إحياء الصناعات الإبداعية والاستفادة منها.أشرف عبدالغني: خطة طموحة قادرة على منافسة المنصات الرقميةوتشمل الخطة محاور متعددة، تبدأ بتحديث استوديوهات ومعامل المونتاج، وتصحيح الألوان، وتزويدها بأحدث المعدات التكنولوجية، في مجالات التصوير والإخراج والأرشفة الرقمية، وتطوير دور العرض من حيث الأنظمة الصوتية والبصرية وأماكن الجلوس والخدمات التكميلية.وتعمل الحكومة عبر الشركة القابضة للاستثمار الثقافي، على تأسيس هيكل وطني للإنتاج السينمائي، يوفر خدمات فنية لصناع المحتوى، بما يشمل التصوير والمكساج وتصحيح الألوان والمؤثرات البصرية، ما يسهل عملية الإنتاج ويمنح دفعة قوية للقطاع.ويتجاوز الطموح حدود البنية التحتية إلى أرشفة التراث السينمائي، إذ قامت القابضة بالتعاون مع مركز الترميم في مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، بترميم عدد من كلاسيكيات السينما وتحويلها إلى نسخ رقمية فائقة الجودة لعرضها على المنصات الرقمية والمهرجانات الدولية.ولتعظيم العائد الرقمي، أطلقت الحكومة موقعا إلكترونيا رسميا وقناة متخصصة على يوتيوب لعرض الأفلام المملوكة للدولة، والتعاقد مع شركة متخصصة في حماية حقوق المحتوى من القرصنة.وكان غياب الحماية الفنية مشكلة رئيسية أدت إلى عزوف العديد من المنتجين عن الدخول إلى السوق المصرية خلال السنوات الماضية.وأعلنت القابضة أن الخطة تعتمد على تعاون وثيق مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في تطوير المعمل السينمائي بمدينة السينما، لتوفير أقصى درجات الكفاءة في الترميم والتحويل الرقمي، نظرا لضخامة الأعمال المستهدفة.خالد الشافعي: خطوة نحو تخفيض التكاليف وتعزيز الإبداعورحب رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية أشرف عبدالغني بالخطوة الجديدة، مؤكدا أن عدد دور العرض في مصر انخفض من 359 دارا في خمسينات القرن الماضي إلى نحو 60 دارا حاليا.وتأثرت دور السينما بعوامل عدة أبرزها صعود المنصات الإلكترونية وتزايد معدلات التضخم وارتفاع أسعار التذاكر وموجات التطرف الفكري التي ضربت البلاد منذ سنوات، وأثرت على الذوق العام والفنون الرفيعة.وقال لـ”العرب” إن “تركيز الخطة على الرقمنة والتكنولوجيا خطوة مهمة للغاية، لأجل القدرة على منافسة المنصات الرقمية، التي تمثل تحديا ضخما أمام عودة دور العرض للانتعاش”.وأوضح أن الجمهور بات يفضل مشاهدة الأفلام من منزله بأسعار منخفضة، في ظل غياب التجديد في السينمات، وتراجع الأعمال السينمائية الجاذبة.وذكر عبدالغني أن ضريبة الملاهي من أبرز العقبات أمام انتعاش هذا القطاع، مطالبا بإلغائها كي يساهم ذلك في خفض أسعار التذاكر، وزيادة الإقبال الجماهيري، خاصة أن حصيلة الضريبة لا تتجاوز 20 مليون دولار سنويا.ويرى خبراء اقتصاد أن خطة إحياء السينما يمكن أن تولد عوائد ضخمة للدولة، من خلال تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وعبر تنشيط الصناعات المرتبطة بها، مثل الإعلان والموسيقى والأزياء والسياحة الثقافية.وتمثل السينما صناعة كثيفة العمالة، توفر فرصا في كافة مراحل الإنتاج من الكتابة حتى التوزيع، وتشير التقديرات إلى أن كل فيلم سينمائي يُنتج يوفر ما لا يقل عن 200 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.ويؤكد الخبراء أن الاستثمار في السينما لا يقل أهمية عن الاستثمار في السياحة والآثار، وقد يكون أكثر سرعة في تحقيق عوائد، إذا تم ربطه بالمنصات الرقمية الحديثة وتوزيع المحتوى المصري عالميا.أبرز بنود الخطةتحديث استوديوهات الإنتاج وتزويدها بأحدث المعدات التكنولوجيةتطوير دور العرض من حيث الأنظمة الصوتية والبصرية والخدماتتأسيس شركة وطنية للإنتاج السينمائي وأرشفة التراث السينمائيكما أن السوق العربية، لاسيما في منطقة الخليج العربي، متعطشة إلى منتجات فنية بجودة عالية، وهو ما يمكن لمصر أن تلعب فيه دورا محوريا.وقال مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي إن “تأسيس شركة إنتاج وطنية بمواصفات تقنية عالية سيمنح المخرجين حرية فنية وإبداعية، بعيدا عن قيود السوق الخاصة”.وأكد أن هذا التوجه يقلل من التكاليف المرتفعة التي غالبا ما تدفعهم إلى تقديم أعمال تجارية مكررة ذات طابع سطحي لجذب المستثمرين.ولفت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن حماية المحتوى الرقمي ستظل عاملا حاسما في نجاح الخطة، وبدون تفعيل صارم لقوانين الملكية الفكرية وتوسيع نطاقها لتشمل المحتوى الإلكتروني، لن يتمكن المنتجون من استرداد استثماراتهم.ولذلك، وفق الشافعي، “من الضروري سن تشريع موحد بغرض حماية الإنتاج الثقافي والسينمائي، وتخصيص جهة مستقلة لرصده ومتابعة التعديات عليه”.ولتجاوز العقبات أمام التنفيذ، يقترح خبراء اقتصاد ضرورة تقديم حوافز ضريبية للمستثمرين الراغبين في تأسيس شركات إنتاج أو تطوير دور عرض.وعلاوة على ذلك، تم دعم إنشاء أكاديمية متخصصة في تقنيات السينما الرقمية الحديثة لتخريج جيل مؤهل يتعامل مع أحدث المعايير العالمية، وإبرام شراكات مع منصات عالمية، مثل نتفليكس لتوزيع الإنتاج المصري وضمان دخول عائدات بالعملة الصعبة.وتعد الخطة تحولا جذريا في نظرة السلطات إلى الثقافة باعتبارها مكونا من مكونات التنمية الاقتصادية الشاملة، وليست رفاهية فكرية أو ترفا فنيا.وإذا أحسن تنفيذها، فقد تنجح مصر في إعادة تقديم نفسها للعالم، كدولة ذات تراث سينمائي عريق، وقوة ناعمة تواكب العصر وتنافس بقوة في أسواق الإنتاج الإقليمي والعالمي.ويظل النجاح الاقتصادي مرهونا بالتنفيذ الجاد والتكامل بين السياسات الحكومية والقطاع الخاص، وبتجاوز العراقيل التي عطلت تطور الصناعة لعقود طويلة.وفي حال تحقق ذلك، فقد تشهد مصر نهضة سينمائية جديدة لا تقل في تأثيرها عن طفرة عاشتها في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، لكن بتقنيات القرن الحالي.صحيفة العرب

مجلة ايليت فوتو ارت

أخر المقالات

منكم وإليكم