حمام التيروزي رحلة عبقة بعبير الماضي والحاضر
نجوى عبد العزيز محمود
تشتهر” دمشق”بحماماتها الأنيقة البنيان والحسنة النظافة، والتي تعد مرفقاً للترفيه والتسلية، بالإضافة إلى وظائفها الاجتماعية والثقافية والدينية، وبالرغم من أن عمرها مئات السنين، لكنها رغم ذلك لم تفقد بريقها التاريخي والتراثي ولا تزال رمزاً لتراث شعبي غني يحفظ تاريخاً طويلاً من العادات والتقاليد الاجتماعية التي اتصفت بها الحياة الدمشقية.
عراقته
يقع حمام التيروزي في مدينة دمشق بمنطقة القنوات في حي باب سريجة بجادة الدرب السلطاني، هذا الموقع الذي ذكرته المراجع باسم محلة «قبر عاتكة» براس الشويكة، وتبلغ مساحة هذا الحمام نحو ٥٩٠ متراً مربعاً.
يعد حمام “التيروزي” من الحمامات العريقة في “دمشق”، حيث لا يزال محافظاً على رونقه وعراقته، فبالرغم من التطور الحضاري إلا أن الحمامات حافظت على هويتها العمرانية القديمة، التي هي جزء من العمارة الإسلامية، مع إضافة تحديثات وتعديلات ضرورية لمواكبة التطور، حيث تم الاستغناء عن “القميم” الذي يعمل على الحطب بحراقات تعمل على مادة المازوت، وتمت إضافة غرفة ساونا وجاكوزي، وما زالت الحمامات تعد تراثاً دمشقياً بحد ذاتها، وما زالت الطقوس كحمام العريس واجتماع الأصدقاء موجودة في المناسبات الدينية والخاصة ببعض العائلات الدمشقية، التي ما تزال محافظة ومتمسكة بعاداتها وتقاليدها.
تاريخه
ورد في”الدارس” لـ”النعيمي الدمشقي”، إنه في سنة 848 في شهر ربيع الأول فتح حمام الأمير “غرز الدين خليل التيروزي” شرقي مدرسته، وهو حمام كبير حسن، وأجر كل يوم بأكثر من أربعين درهماً، ويعد هذا الحمام تاريخياً من حمامات القرن الخامس عشر الميلادي، واعتبرت المديرية العامة للآثار والمتاحف هذا الحمام من الحمامات الدمشقية ذات الصفة الأثرية
أقسامه
يتألف الحمام الدمشقي من أقسام وردهات ودهاليز، ومقاصر لها أسماء محلية خاصة لكل منها وظيفة تتميز بها، ونجد في حمام “التيروزي” أقساماً يبدأ من “البراني” الذي يحوي صحناً مربعاً تحيط به أربعة أقواس تلتقي على دعائم، وإيوان يقع تحت كل من القوسين الشرقي والغربي ويحيط بالايوانين مصاطب مفروشة بالسجاد والمناشف، وجدران البراني مزينة بالمرايا المصدفة والآيات القرآنية والحكم، أما الأرض مرصوفة بحجارة مصقولة بتشكيلات هندسية بديعة من الحجر الأسود والوردي وفي وسطها بحرة بحجارة وردية، تنطلق منها نافورة حاملة المياه إلى الأعلى لتعود ناشرة الرذاذ الذي ينشر الرطوبة والطراوة في الحمام، وتكون النوافير بالعادة أفواه لتماثيل الحيوانات على شكل نوافير متلاقية، ويوضع حول النافورة أصص من النباتات المتنوعة، وجدران البراني مزينة بالرسوم والصور والآيات والحكم وعبارات الترحيب بالزبائن، وأواوين مفروشة بالأرائك والمساند، وحشيات القش أو القطن المنجد بالدامسكو المطرز بالرسوم الجميلة، وغالباً ما يوجد في براني الحمام مشلح خاص منفرد يسمى (القصر) يخصص للزبائن الميسورين (الأكابر)، وإلى جانب المدخل الخارجي إلى البراني سدة (تخت) خاصة بالمعلم يرحب منها بالزبائن القادمين ويودع الخارجين من الحمام بكلمة “نعيماً”.
وهناك جناح يطلق عليه اسم الوسطاني، وهو عبارة عن ردهة انتقالية بين البراني والجواني يمتد طرفه الشمالي إلى بحرة كان يغرف منها الماء البارد بسطول إلى الأجران لتعديل حرارة الماء المنساق من حلل الماء الحارة (النارية والدخانية والخراج) إلى الأجران، في الجهة الغربية مصطبة لاستراحة المستحمين عليها خلال فترات الاستحمام، وفوق الجدران قبة دائرية معقودة، كما يشكل الحد الفاصل بين الأقواس او من المقرنصات والأقواس المتداخلة الجصية، ويتوسط الجواني ممر بيت النار وعلى طرفيه إيوانان يستريح فيها الزبائن خلال فترات الاستحمام.
وهكذا نرى أن الحمامات مثلت عبر العصور أحد الفضاءات الاجتماعية التي تتمتع بطقوس وثقافة وتقاليد ما زالت حاضرة بين الدمشقيين، ففيه يلتقي الناس من مختلف الفئات الاجتماعية ومن كل المستويات


