تأليف: كاترين هالبيرن
- ترجمة: إبراهيم صحراوي
الهويات: الفرد، الجماعة، المجتمع
– تأليف: كاترين هالبيرن
– ترجمة: إبراهيم صحراوي
يقوم كتاب “الهويات: الفرد، الجماعة، المجتمع” بتحليل مفهوم الهوية الحديثة من خلال تتبّع الجذور التي جعلت الإنسان المعاصر ينظر إلى نفسه كفرد مستقل وفاعل، لا كعنصر ذائب داخل جماعة ثابتة. وترى هالبيرن أن الهوية لم تعد تُفهم بوصفها معطى جوهريًا أو ثابتًا يولد مع الإنسان، بل أصبحت بناءً مستمرًا يتشكّل عبر التجربة والتنشئة والمؤسسات والتفاعلات الاجتماعية، بحيث يتحكم الفرد في جزء منها فيما يُفرض عليه جزء آخر. ويُظهر الكتاب كيف تتداخل الهويات الفردية والجماعية والقومية والدينية والمهنية لتنشئ الإنسان المعاصر بجوانبه المتعددة، وما يصاحب ذلك من اضطرابات وانعطافات في مراحل حياته المختلفة.
المحور الأول: الهوية الحديثة وصعود الفرد
ترتبط فكرة الهوية في العالم الحديث بصعود النزعة الفردية التي رافقت التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية منذ بداية الحداثة. لم يعد الإنسان مجرد عضو في جماعة تححد له مكانته مسبقًا، بل أصبح مطالبًا ببناء ذاته وتعريف نفسه عبر خيارات ومسارات يبدعها بنفسه.
وتشير هالبيرن إلى أن هذا التحول ألغى الاعتقاد القديم بأن الهوية جوهر ثابت، وأحلّ فكرة الهوية بوصفها عملية تشييدية تُنجز عبر الممارسة، حيث يحمل الفرد بعض المعطيات المسبقة كاللغة والانتماء العائلي، لكنه يضيف إليها ملامح جديدة وفق خبراته وقراراته.
المحور الثاني: مؤسسات التنشئة وبناء الهوية الفردية
تُبرز المؤلفة الدور المركزي لمؤسسات التنشئة الاجتماعية في تشكيل الهوية منذ الطفولة. فالأسرة والمدرسة تشكلان المستوى الأول للانتماء؛ تعلمّان الطفل اللغة، القيم، السلوك، وتضعانه داخل إطار مرجعي يعيد إنتاج ذاته من خلاله.
وتشرح هالبيرن كيف تصبح هذه المؤسسات نقطة الانطلاق التي يتلقى عبرها الفرد أول تعريفاته لنفسه: هل هو متفوق؟ مطيع؟ مندمج أم مختلف؟
وفي هذا السياق، تُظهر المؤلفة أن الهوية ليست اختيارًا حرًا بالكامل، وإنما هي تفاعل بين ما يرغب به الفرد وما تُجبره عليه المؤسسات التي ينشأ فيها.
المحور الثالث: الجماعات المرجعية والبحث عن الانتماء
مع التقدم في العمر، يخرج الفرد من سلطة الأسرة والمدرسة ليدخل في إطار جماعات جديدة، مثل النوادي الرياضية، الجمعيات، الأحزاب، أو المهن. وتحوّل هذه الجماعات الانتماء الفردي إلى هوية اجتماعية متفاوض عليها، تمنح الفرد مكانة جديدة ودورًا محددًا داخل المجتمع.
وتعتبر هالبيرن أن الجماعات المرجعية تعمل كمرآة يرى الفرد نفسه عبرها، وتصبح مصدرًا للهوية الاجتماعية وتحديد الذات، لكنها أيضًا تفرض مطابقة وضبطًا لسلوك الفرد، ما يجعل الهوية دائمًا بين التكيّف والحرية.
المحور الرابع: الهوية الجماعية والوطنية والدينية
تتناول المؤلفة الدور المعقّد للهويات الكبرى مثل الهوية القومية والدينية، بوصفها عناصر قادرة على توحيد الجماعات، لكنها أيضًا تُحدث صدامات حين تتعارض مع هويات أخرى.
وتبرز هنا المرحلة الأكثر حساسية في تشكل الهوية، إذ يتحول الانتماء إلى موقف أيديولوجي وانحياز معياري، قد يمنح شعورًا بالكرامة والاعتراف، أو يصبح أداة للتمييز والصراع.
وترى هالبيرن أن هذه الهويات الجماعية تصبح أكثر حضورًا في مراحل الاضطراب الاجتماعي والسياسي حيث يبحث الأفراد عن حماية وكيان يمنحهم اليقين وسط التحولات المقلقة.
الخلاصة
يقدّم الكتاب فهمًا ديناميكيًا للهوية باعتبارها بناءً مفتوحًا ومتغيرًا تساهم فيه المؤسسات والتجارب الفردية والجماعات المرجعية والهويات الكبرى الدينية والقومية. لا وجود لهوية نقية أو ثابتة، بل توجد طبقات متشابكة تتفاعل باستمرار، يصوغ الفرد بعضها ويُفرض عليه بعضها الآخر.
وهذا الوعي الجديد بالهوية يتيح للفرد أن يفهم ذاته بمرونة، وأن يدرك أن التوترات والانعطافات التي يعيشها ليست خللاً، بل جزءًا من رحلة بناء الذات الحديثة.
اعداد سالم يفوت
مجلة ايليت فوتو ارت


