حنّة_آرنت: المفكّرة التي أرادت إنقاذ العالم من خطر التوقّف عن التفكير
في الرابع من ديسمبر/كانون الأول حلت الذكرى الخمسون لرحيل حنّة آرنت (1906–1975)، المفكّرة الألمانية–الأمريكية التي هزّت العالم بفكرة بسيطة وخطيرة في آن واحد:
الشرّ يبدأ حين يتوقف الإنسان عن التفكير.
لم تقدّم آرنت نفسها كفيلسوفة تقليدية، ولم تنحز لأي أيديولوجيا جاهزة. كانت تؤمن بأن الحرية الحقيقية لا تأتي من الأنظمة السياسية، بل من قدرة الفرد على أن يفكّر بنفسه، وأن يرفض الامتثال للجماعة حين يقوده ذلك إلى الخطأ أو العنف.
▪︎من هانوفر إلى نيويورك: سيرة هروب وبحث
ولدت آرنت في مدينة هانوفر، ثم نشأت في كونيغسبرغ، مدينة كانط. تعلّمت على يدي كارل ياسبرز ومارتن هايدغر، وظلّت علاقتها بالأخير علامة استفهام كبرى في حياتها.
بعد صعود النازية عام 1933، فرت إلى فرنسا، ثم إلى الولايات المتحدة هرباً من الاعتقال. قضت 18 عاماً بلا جنسية، ما جعل قضية “عديمي الجنسية” مركزية في كتاباتها اللاحقة.
عام 1951 نشرت كتابها الأشهر «أصول التوتاليتارية»، الذي فصّلت فيه كيف تتحول الدول الحديثة إلى أنظمة شمولية تبتلع المجتمع، وتمزج بين العنف والبيروقراطية والخوف.
▪︎تفاهة الشرّ: حين يصبح الإنسان مجرد ترس
أشهر فكرة قدّمتها آرنت هي «تفاهة الشرّ»، والتي ظهرت بعد متابعتها لمحاكمة الضابط النازي أدولف آيخمان في القدس عام 1961.
قالت آرنت إن الشر ليس دائماً نتيجة وحوش استثنائية، بل نتيجة أشخاص عاديين يتوقفون عن التفكير، ويطيعون الأوامر بلا وعي، ويذوبون داخل الآلة البيروقراطية.
آيخمان، بالنسبة لها، لم يكن شيطاناً عبقرياً، بل موظفاً “عادياً بشكل مرعب”، ينفذ التعليمات دون أن يسأل نفسه: ماذا أفعل؟ ولماذا؟
هذه الفكرة صدمت العالم، واتُّهمت آرنت بتبرير النازية، لكنها كانت تريد شيئاً آخر:
تحذير البشر من السقوط في العمى الأخلاقي حين يغيب التفكير الفردي.
▪︎التفكير كفعل أخلاقي
ترى آرنت أن التفكير هو حوار الإنسان مع نفسه؛ لحظة ينسحب فيها إلى داخله ويسأل:
“هل أستطيع التعايش مع هذا الفعل؟”
عندما يغيب هذا الحوار، يصبح الإنسان قابلاً للانقياد، ولارتكاب الشر بطريقة “تافهة” وميكانيكية.
كانت آرنت تخشى من سيطرة التقنية والخوارزميات على حياة البشر، لأنها قد تجعل التفكير أقل حضوراً، والقرارات أكثر ميكانيكية، وبالتالي أكثر قابلية للانحراف.
▪︎لماذا تبقى آرنت حاضرة اليوم؟
لأن العالم اليوم، كما في القرن العشرين، يواجه تحديات تتعلق بسلطة الجماعة، واندفاع التكنولوجيا، وخطر تحوّل الإنسان إلى تابع لما تقوله الشاشات والخوارزميات.
تذكّرنا آرنت بأن الحرية لا تُمنح، بل تُفكَّر.
وأن الشر لا يولد دائماً من الكراهية، بل من الفراغ.
وأن أعظم جريمة قد يرتكبها الإنسان هي أن يستسلم للتفكير الجاهز.
#حنّة_آرنت
عن صفحة كهف الفلسفة


