الفنانان ( وسام جزي وحيدر فاخر ) يرسمان العلاقة بين الإنسان والمكان.من العراق إلى الأردن.بمعرض“تذكار”.


من العراق إلى الأردن.. حيدر فاخر ووسام جزي يرسمان العلاقة بين الإنسان والمكان

عمّان – يشكّل معرض “تذكار” المقام بغاليري الأورفلي في العاصمة الأردنية عمّان تجربة فنية تفاعلية تحتفي بالذاكرة الإنسانية من خلال أعمال الفنانين التشكيليين العراقيين حيدر فاخر ووسام جزي، حيث تستحضر اللوحات المعروضة أبعادًا مكانية وشخصية مختلفة في مقاربة فنية تنبض بالتأمل والحنين.
ويقدّم المعرض، من خلال تكويناته المتنوعة وتقنياته المتباينة، رؤية متكاملة حول العلاقة بين الإنسان والمكان، إذ توظّف الأعمال الفنية مفردات معمارية ورمزية تستدعي ذاكرة المدن والوجوه والأزمنة الماضية، ضمن رؤية بصرية تحمل ملامح سردية تتقاطع بين التجريد والانطباع.
ويُعد الفنان التشكيلي العراقي حيدر فاخر أحد الأصوات الفنية المميزة التي برزت من جيل التسعينات في بغداد، وهو الجيل الذي اضطر إلى التعبير عن واقعه المعقد تحت وطأة الحصار والظروف السياسية الصعبة.
تخرج فاخر في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، وتأسست تجربته الفنية على مزج عميق بين التراث البصري العراقي وبين مفاهيم الحداثة والتعبيرية. وتميزت أعماله المبكرة بمسحة سريالية وتعبيرية قوية، حيث كان يوظف الألوان الداكنة والتكوينات الدرامية ليعكس حالة القلق الوجودي والتحولات الاجتماعية والسياسية التي مر بها العراق. ورغم الهجرة التي فرضتها الظروف على العديد من زملائه، حافظ فاخر على بصمته الفنية المتفردة، ما جعله اسما حاضرا في المشهد التشكيلي العربي.
وتتسم أعماله المشاركة في هذا المعرض الثنائي بكثافة لونية واضحة وملمس تعبيري خشن، حيث يستعرض عبرها ملامح من معمار المدن التاريخية، كالأبواب والنوافذ والأسوار التي ترك الزمن أثره عليها، مستخدمًا ألوانًا ترابية وتدرجات باهتة من الأزرق والأخضر، في إشارة إلى تآكل الذاكرة وتحوّلاتها.

تجربتان بصريتان مختلفتان في الشكل ومتقاربتان في الجوهر، تؤكدان أهمية الفن في توثيق العلاقة بين الإنسان والذاكرة

ولا تُقدّم اللوحات المعمارية بوصفها مَشاهِد مباشرة، بل كما تستعيدها الذاكرة بعد مرور الزمن، فتغدو الأبواب رموزًا للتحول والعبور، وتُجاور الوجوه البشرية الرموز المعمارية في مشهد بصري يربط الإنسان بالمكان ضمن ذاكرة جمعية.
أما الفنان وسام جزي فقدّم تجربة فنية أقرب إلى الرمزية والتجريد، مستندًا إلى الذاكرة الفردية، حيث توظّف لوحاته الخطوط الدقيقة والألوان الهادئة، ويطغى فيها حضورٌ شفاف للوجوه والأشكال، ما يمنح الأعمال طابعًا تأمليًّا يميل إلى المشاهد السينمائية المتوقفة عند لحظة معينة.
وتظهر في أعماله رموز متعددة كالطيور والأشجار، بوصفها علامات للتحول والامتداد، فيما توحي الخطوط الدقيقة حول الوجوه بتمثيل الهالة الشعورية أكثر من الحضور الجسدي المباشر، في استحضار للبعد النفسي للذاكرة واشتباكها مع الزمن والمكان.
وجزي هو أيضا اسم بارز في المشهد التشكيلي العراقي المعاصر، ويُعرف بأسلوبه الذي يجمع بين التكعيبية والواقعية التعبيرية. درس الفن التشكيلي وحصل على درجة الماجستير من جامعة بغداد، وينتمي إلى جيل الفنانين الذين تشكل وعيهم الفني متأثراً بالتحولات الدرامية التي مر بها العراق، خصوصاً في فترة التسعينات وما بعدها.
وتتمحور أعماله حول دراسة الجسد البشري، ولكنه يقدمه بأسلوب تجريدي هندسي، حيث يقوم بتفكيك الأشكال وإعادة بنائها عبر خطوط حادة وزوايا هندسية، وهو ما يمنح شخوصه طاقة حركية وتوترا دراميا عاليا.
ويُجسّد معرض “تذكار” حوارًا فنيًّا بين تجربتين بصريتين مختلفتين في الشكل ومتقاربتين في الجوهر، تؤكدان أهمية الفن في توثيق العلاقة بين الإنسان والذاكرة، واستكشاف مكنونات الذات في سياقاتها التاريخية والوجدانية.
صحيفة العرب

أخر المقالات

منكم وإليكم