فيلم أحلام القطار Train Dreams
الكاتب رحيم الحلي
الأفلام السينمائية، مثل الروايات والقصص، قد تبدو في ظاهرها أحداثاً عادية لا تُثير الدهشة في الوهلة الأولى، لكن ما يجعل الفيلم أو الرواية جميلين هو طريقة معالجة القصة، الانتقالات بين المشاهد، أسلوب السرد، وزوايا الطرح. وهكذا تخضع السينما للمنطق ذاته، ولكن بأدوات بصرية وسمعية . هذا ما وجدته في قصة فيلم أحلام القطار Train Dreams إنتاج 2025، إذ يتناول حياة عامل بسيط في مطلع القرن العشرين في الغرب الأمريكي، يشقّ طرق السكك الحديدية ويقطع الأشجار في غابات الشمال الوعرة، ويعيش حياة قاسية إلى أن يلمع في حياته بصيص أمل حين يتزوّج ويبني كوخاً خشبياً يعيش فيه مع زوجته وطفلته. ما جذبني لمشاهدة الفيلم كان جمال التصوير والمشاهد السينمائية البديعة، الموسيقى، وانتقالات الكاميرا، بتقديري ان الفيلم اراد ان يبعث برسائل كثيرة عن الحضارة الحديثة التي بنت نفسها على قطع حياة الاشجار باسراف وتغيير الطبيعة وطريقة عيش كثير من الاقوام ، وبالمقابل فان الحرائق بدت وكانها عقوبة وانتقام من الاشجار التي لها روح وصوت داخلي ونداء لخالقها ، هكذا شعر بعض الرجال الحكماء الذين عملوا في قطع الاشجار وتكلموا عن خبرتهم وتجاربهم وقصص موت بعضهم ، وقالوا أنه انتقام الاشجار من قاتليها .
تنهار حياة الرجل فجأة حين تحرق حرائق الغابات الكوخ الذي بناه، لتأخذ زوجته وطفلته إلى الموت في غيابه، فيتراجع إلى عزلة قاسية، متنقلا بين الأكواخ والغابات، يعمل بيديه بينما يعيش بعقله في مكان آخر ، هناك حيث تقف زوجته وطفلته والرجل الآسيوي الذي تركه يسقط ولم ينقذه. كلما ضرب فأسه في شجرة سمع الصرخة ذاتها، وكلما صفّر القطار من بعيد أحسّ أن العالم يمضي بعيدا عنه .
يقدم الإخراج هذه العزلة بلغة سينمائية مؤلمة ، موسيقى قليلة تخشى الاقتراب من الجرح المفتوح، وتمثيل يعتمد على العيون أكثر من الكلام. أداء جويل إدجيرتون يصور حالة رجلاً انكسرت روحه لا عضلاته، بينما تمنح فليسيتي جونز حضوراً عاطفياً يبقى في ذاكرته وذاكرة المشاهد حتى بعد رحيل شخصيتها، لتظلّ طيفاً حنوناً في عالم يحترق.
الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الأميركي دينيس جونسون Denis Johnson التي تحمل العنوان نفسه Train Dreams، وهي رواية قصيرة تُعد من أجمل النصوص الأميركية عن الرجل العادي في زمن التوسع الصناعي، وقد حافظ الفيلم على روحها ، كانت قصيدة حزينة عن الرجال الذين بنوا الغرب الأميركي ولم يذكرهم أحد. وفي النهاية لا يقول الفيلم إن الزمن يشفي، بل إن الذكريات تبقى، وأن القطار الذي يرحل لا يعود، لكن الإنسان يبقى أمام تلك اللحظة التي ترسم مصيره، الكلمة التي لم تُقل، اليد التي لم تمتد، والصوت الذي صمت حين كان يجب أن يتكلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اضغط على الرابط التالي لمشاهدة الفيلم
https://www.netflix.com/title/82020378


