.
فيلم «المخطط الفينيقي» متعة بصرية غنية
.. إنها مزيج مُتعدد الطبقات مُؤطر بدقة، لكن (أندرسون) يُولي اهتماماً كبيراً لقصته وشخصياته بقدر اهتمامه بأسلوبه البصري، الذي بالطبع لا يضعف أبداً. لا توجد أي عفوية في أي حوار أو إيقاع عاطفي.. لكن بسبب تأثير الديوراما في أعماله، قد توجد مسافة بين الفيلم والجمهور، كما لو أن عوالمه غير قابلة للاختراق، لأنها مُعدَّة بشكل مبالغ فيه. معظم تفاصيل القصة عبارة عن مسرحية داخل مسرح داخل فيلم، دمية ماتريوشكا ذات بنية سردية تُضاهي فيلماً من إخراج كريستوفر نولان. الفيلم الذي سبقه، (الإرسال الفرنسي)، كان مختارات من القصص التي جُمعت ضمن قصة مؤطرة.
مع (المخطط الفينيقي)، يعود (أندرسون) إلى شكل أكثر شهرة، وهو عمل مباشر يركز على رجل واحد وسعيه وراء غاية.. إنه أكثر سهولة في الفهم، وهو مألوف، وسيُرضي الجماهير الذين يشعرون بأن أعمال المخرج الأمريكي قد انحرفت عن المسار في السنوات الأخيرة. هذا عمل أكثر كلاسيكية لأندرسون، لكن هذا لا يعني أنه تراجع. هناك تطور في انشغالاته المواضيعية، مدفوعة جزئياً بأبوّته، ولاتزال هناك استطرادات سريالية على غرار لويس بونويل في اللاوعي لشخصيته الرئيسية.
الفيلم عبارة عن جزء من المغامرات وجزء من رحلة برية، حيث يمنح القفز من مكان إلى آخر (أندرسون) الفرصة لجلب بعض الأشخاص المفضلين لديه، إلى شركته، إضافة إلى بعض الوجوه الجديدة. يلعب ريز أحمد، في أول دور له مع أندرسون، دور الأمير فاروق، مع توم هانكس وبريان كرانستون (كلاهما كان في فيلم مدينة الكويكب)، كثنائي من المستثمرين الماهرين في كرة السلة. يشارك كلٌّ من ماثيو أمالريك (فندق جراند بودابست، الإرسالية الفرنسية)، وجيفري رايت (الإرسالية الفرنسية، مدينة الكويكب)، وريتشارد أيواد (قصة هنري شوغر الرائعة)، في مشهدٍ دراميٍّ يتضمن قارباً وملهىً ليلياً وجماعة ثورية؛ بينما تلعب سكارليت جوهانسون (مدينة الكويكب، جزيرة الكلاب)، دور ابنة عم بعيدة ضرورية لمؤامرة زواج؛ ويؤدي بينيديكت كومبرباتش (قصة هنري شوغر الرائعة)، دور الأخ غير الشقيق لزازا، وهو شخصية غامضة.

قد تكون تريبليتون (ابنة كيت وينسلت، والتي تُشبه والدتها تماماً) وسيرا، وافدتين جديدتين على عالم أندرسون، لكنهما تندمجان فيه كأبناء البلد الأصليين، متحكمتين في إيقاعات كتابته وإخراجه المميزة. مع ديل تورو، يُمثل الثلاثي الرئيسي ركائز أساسية للفيلم، لا سيما علاقة الأب والابنة المتطورة بين زازا وليزل. بسبب هيكل الفيلم، قد يكون من المغري اعتباره إعادة صياغة لعلاقة غوستاف وزيرو في فيلم (فندق جراند بودابست)، لكنهما أكثر حدة.
لا توافق (ليزل) على مخطط والدها، وبينما قد يعتقد زازا أنه عملي في ضمها إلى عائلتها، إلا أن ما يريده حقاً هو احترامها ومودتها. تختلف المخاطر، بما في ذلك أزمته الوجودية شبه المتواضعة.
وهناك الكثير مما يثير الإعجاب في فيلم (المخطط الفينيقي)، بما في ذلك بعض الأداءات الجذابة للغاية، وخاصة من ديل تورو الذي تتناقض بنيته الجسدية الضخمة وصرامة مهمته ومهنته، مع نعومة الشخصية التي تكاد تكون مخفية. كل شيء هنا دقيق ومدروس، يظن المرء أنه يدرك حجمه، لكن عندما يتوقف ليتأمله ملياً، يجد أن هناك الكثير مما يجري تحت السطح، وهذا يشمل نقداً دقيقاً لأخلاقيات جمع الثروات.
مجلة الشارقة الثقافية
مجلة ايليت فوتو ارت


