الدراما السورية بوصفها شاهد رصين على تحولات مجتمعية

الــدرامـا السـوريـة شاهد على واقع اجتماعي

‬جمال‭ ‬ناجي،

‭ ‬وقد‭ ‬نجح‭ ‬السيناريست‭ ‬حازم‭ ‬سليمان‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬النصّ‭ ‬الروائيّ‭ ‬الفلسفيّ‭ ‬المعقّد‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬متوتّرةٍ‭ ‬سوريّةٍ‭ ‬بحتةٍ،‭ ‬علماً‭ ‬أنّ‭ ‬الرواية‭ ‬الأصليّة‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الأردنيّ،‭ ‬مثبتةً‭ ‬وحدة‭ ‬الهمّ‭ ‬العربيّ‭ ‬المجتمعي،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬برهاناً‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬النصّ‭ ‬الأدبيّ‭ ‬حين‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬كاتب‭ ‬سيناريو‭ ‬واعٍ،‭ ‬قادر‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬للدراما‭ ‬السوريّة‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬عمقها‭ ‬المفقود‭.‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬الدراما‭ ‬السوريّة‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬الاستسهال؛‭ ‬أجزاء‭ (‬باب‭ ‬الحارة‭) ‬المتأخّرة‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬مهزلةٍ‭: ‬شخصيّات‭ ‬تختفي‭ ‬وتولد‭ ‬بلا‭ ‬مبرّر،‭ ‬هذا‭ ‬الاستنزاف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلّا‭ ‬وجهاً‭ ‬آخر‭ ‬لانهيار‭ ‬البنية‭ ‬الإنتاجيّة‭. ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬صعود‭ ‬الدراما‭ ‬العربيّة‭ ‬المشتركة‭ (‬البان‭-‬عرب‭)‬،‭ ‬ذابت‭ ‬الهويّة‭ ‬السوريّة‭ ‬في‭ ‬أعمالٍ‭ ‬هجينةٍ،‭ ‬صيغت‭ ‬لتناسب‭ ‬كلّ‭ ‬الأسواق‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشبه‭ ‬مكاناً‭ ‬بعينه‭. ‬اليوم،‭ ‬ومع‭ ‬صعود‭ ‬المنصّات‭ ‬الرقميّة،‭ ‬يتغيّر‭ ‬شكل‭ ‬الدراما‭ ‬عالميّاً‭: ‬العالم‭ ‬يتّجه‭ ‬نحو‭ ‬المسلسلات‭ ‬القصيرة‭ ‬عالية‭ ‬الجودة،‭ ‬بينما‭ ‬ماتزال‭ ‬سوريا‭ ‬محاصرةً‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬الثلاثين‭ ‬حلقةً‭ ‬المطوّلة،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬بعض‭ ‬المنتجين‭ ‬اتّجهوا‭ ‬إلى‭ ‬تعريب‭ ‬الأعمال‭ ‬التركيّة‭ ‬في‭ ‬تسعين‭ ‬حلقة‭ ‬آنية‭ ‬واستهلاكيّة،‭ ‬قد‭ ‬تخلق‭ ‬ذاكرة‭ ‬مستنسخة‭ ‬وعابرة‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬ارتباط‭ ‬حقيقي‭ ‬مع‭ ‬المتلقي‭.‬المستقبل‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الدراميّين‭ ‬السوريّين‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭: ‬ليس‭ ‬المطلوب‭ ‬مطّ‭ ‬الحكاية،‭ ‬بل‭ ‬تكثيفها،‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬الجذور‭ ‬الواقعيّة‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬وهجها،‭ ‬مع‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬المنصّات‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬حرّيّةً‭ ‬أكبر‭ ‬خارج‭ ‬قيود‭ ‬الرقابة‭ ‬التقليديّة‭.‬في‭ ‬النّهاية،‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬للدراما‭ ‬السوريّة‭ ‬حضورها‭ ‬ليس‭ ‬الحنين‭ ‬وحده،‭ ‬ولا‭ ‬تعلّق‭ ‬الوعي‭ ‬واللاوعي‭ ‬الجمعيّ‭ ‬السوريّ‭ ‬والعربيّ،‭ ‬بشعلة‭ ‬الدراما‭ ‬السوريّة‭ ‬كومضةٍ‭ ‬عن‭ ‬زمنٍ‭ ‬أبسط‭ ‬وأقلّ‭ ‬قسوةً‭ ‬ربّما،‭ ‬بل‭ ‬توافر‭ ‬شروطٍ‭ ‬جديدةٍ‭: ‬رأس‭ ‬مالٍ‭ ‬جريء‭ ‬يغامر‭ ‬بنصٍّ‭ ‬متينٍ،‭ ‬إدارة‭ ‬ثقافيّة‭ ‬تجابه‭ ‬مقصّ‭ ‬الرقابة،‭ ‬بنية‭ ‬إنتاجيّة‭ ‬تواكب‭ ‬المنصّات‭ ‬الحديثة،‭ ‬ووعيّ‭ ‬بالميزة‭ ‬الأساسيّة‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬مجدها‭ ‬الواقعيّة‭ ‬الصّرفة‭. ‬وحدها‭ ‬هذه‭ ‬الخلطة،‭ ‬مدعّمةً‭ ‬بخطواتٍ‭ ‬تشبه‭ ‬نهضة‭ ‬الدراما‭ ‬المصريّة‭ ‬في‭ ‬عقدها‭ ‬الماضي،‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬الكفاءات‭ ‬الأكاديميّة‭ ‬الشابة،‭ ‬قادرة‭ ‬أن‭ ‬تجعلنا‭ ‬نكتب‭ ‬الفصل‭ ‬المقبل،‭ ‬لا‭ ‬بوصفه‭ ‬توقاً‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬بل‭ ‬وعداً‭ ‬يتقدّم‭. ‬فالدراما‭ ‬السوريّة،‭ ‬حين‭ ‬تصدق،‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مجرّد‭ ‬ترفيهٍ،‭ ‬بل‭ ‬سجلّ‭ ‬مدنيّ‭ ‬للجمال‭ ‬والاختلاف،‭ ‬وذاكرة‭ ‬مستمرّة‭ ‬تستحقّ‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬وتسمع‭. ‬ومن‭ ‬يعلم؟‭ ‬مع‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الأمل،‭ ‬لعلّها‭ ‬تكون‭ ‬فاتحةً‭ ‬لموجةٍ‭ ‬سينمائيّةٍ‭ ‬سوريّةٍ‭ ‬جديدةٍ‭.‬

#مجلة الشارقة الثقافية

#مجلة ايليت فوتو ارت

أخر المقالات

منكم وإليكم